نظم الحماية الاجتماعية في المنطقة العربية: التحديات أمام إجراء البحوث وسن السياسات*

فرح الشامي1

ملخص:

يتناول هذا المقال الفرص والتحديات التي تواجه عملية إنتاج المعرفة وسن السياسات القائمة على الأدلة، والهادفة إلى إرساء نظم حماية إجتماعية أكثر شمولية وعدالة في المنطقة العربية. ويستند المقال إلى تجارب الباحثين/ات والناشطين/ات بعد جائحة كوفيد-19، ويناقش التحديات التي واجهوها خلال تلك الفترة. كما يتعمّق في الأسباب الجذرية لهذه التحديات والمرتبطة بعمليات جمع البيانات وتحليلها وربطها بالوقائع، إلى جانب المنهجيات والطرق المتبعة لإجراء البحوث، والتصنيف النمطي للباحثين/ات والمواضيع البحثية والممارسين/ات والناشطين/ات والمخرجات البحثية، بالإضافة إلى التوصيات السياسية الناتجة عنهم، والمساحات العامة التي يتفاعلون معها عند محاولة كسب التأييد والمدافعة لإجراء الإصلاحات الضرورية. ويقترح المقال حلولًا لدعم المناهضة ضد نهج "عنف الحداثة" المسيطر على عمليات صنع السياسات، مع اقتراح فكرة الابتعاد عن النماذج النمطية لإنتاج المعرفة وللمناصرة من أجل الحقوق الاجتماعية والاقتصادية في البلدان العربية لتصبح نماذجا أكثر محلية وإرتباطاً بخصوصية هذه البلدان.

الكلمات المفتاحية:

الحماية الاجتماعية، المنطقة العربية، البحوث، السياسات، التحديات، تحرير المعرفة من الاستعمار، كوفيد-19.

1 مقدمة

كشفت جائحة كوفيد-19 عن وجود أوجه قصور وخلل واضحة في نظم الحماية الاجتماعية العربية، الأمر الذي جعل فكرة توسيع تغطية الحماية الاجتماعية لتشمل الفئات الاجتماعية الهشة، محورًا نقاشيًا أساسيًا خلال الجهود البحثية والتأييدية لإعداد وسن إصلاحات واستراتيجيات التعافي ما بعد الجائحة في المنطقة العربية. وقد أدرك الباحثون/ات والممارسون/ات والناشطون/ات أن إعداد نظم حماية اجتماعية شاملة وفعّالة ومستدامة هو أمر جوهري لتمكين الشعوب العربية من التغلب على التداعيات الاجتماعية لأية صدمة سياسية أو اقتصادية يمكن أن تتعرض لها، كخسارة مصدر الرزق وسبل العيش وعدم القدرة على الوصول الى الخدمات والسلع الاساسية.

وقد كان للأزمات المتداخلة والمتعاقبة التي صاحبت جائحة كوفيد-19 الأثر الأكبر في التأكيد على ضرورة توفر بنى تحتية متينة للضمان الاجتماعي، لتعزيز مرونة الشعوب وتمكينها من التكيّف بشكل أفضل مع التهديدات العديدة التي قد تطال مستوى المعيشة الكريمة. وتتراوح هذه الأزمات ما بين أثر الحرب الروسية-الأوكرانية على الأمن الطاقي والغذائي، ومشكلة جفاف الأنهار العالمية2 ، وغيرها من تبعات التغيّر المناخي، وتعرّض عدد من الدول لأزمات سياسية ومالية/اقتصادية مثل العراق وتونس ولبنان ومصر. إن مثل هذه البنى التحتية ليست فقط ضرورية للاستعداد للتعامل مع الأزمات، لكنها أيضًا تضمن كون الفئات الفقيرة والمهمشة والأقل حظًا أقل تأثراً بالظروف الاجتماعية والاقتصادية المتقلبة والمتغيرة والتي تؤثر على حياتهم اليومية بشكل عام.

وفي العام 2020، وقبل بداية جائحة كوفيد-19، أظهر التقرير العربي للتنمية المستدامة للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) (UNESCWA) أن نسبة السكان في الدول العربية ممن هم تحت خط الفقر الدولي، ما عدا دول مجلس التعاون الخليجي، والذي يبلغ 1.90 دولار أمريكي في اليوم الواحد، هي تقريبًا 16 في المئة. وبحسب تقرير الإسكوا (2020أ:14)، فإن "نسبة الفقر المدقع كانت أعلى من معدل الفقر الدولي وأعلى من معدل الفقر في كافة الدول النامية، ما عدا أفريقيا جنوب الصحراء. وقد وصلت نسبة الفقر متعدد الأبعاد إلى 41 في المئة في 10 دول عربية، ما يشكل حوالي 75 في المئة من سكان المنطقة (المرجع نفسه). وبعد مرور 4 أشهر على الجائحة، أعلنت اللجنة الإقليمية التابعة للأمم المتحدة أن 8.3 مليون نسمة إضافية سوف يندرجون تحت خط الفقر في المنطقة العربية، مما قد يزيد عدد الأفراد الذي سيعانون من سوء التغذية ليصل إلى 2 مليون نسمة (بحسب الإسكوا 2020 ب).

إضافة لما سبق، وفي الوقت الذي كان فيه معدل البطالة في المنطقة العربية هو الأعلى في العالم (الإسكوا 2021أ)، وكانت العمالة غير المنظمة تمثل ما نسبته 68% من كامل معدلات العمالة قبل بدء ظهور الكورونا (منظمة العمل الدولية 2018) (ILO)، تسببت الجائحة في ارتفاع غير مسبوق في معدلات البطالة، وذلك بنسبة 1.3 في المئة في الدول العربية ما عدا دول مجلس التعاون الخليجي (منظمة العمل الدولية 2022)، حيث تركت ما يزيد عن 39 مليون فرد في المنطقة يعملون في القطاعات الأكثر تضررًا بسبب الوباء (الإسكوا 2021ب). وقد تزامنت هذه الأرقام مع أعلى تركّز للثروة الوطنية في العالم، حيث وقعت ما نسبته 60% من هذه الثروة بين يدي الطبقة الأغنى في العالم العربي والتي تمثل 10% من السكان (كالاس 2021). ويشير ذلك إلى مستوى صادم من عدم المساواة، وعلى وجود العديد من الأشكال الحادة للهشاشة الاجتماعية، حيث تضطر الفئات الفقيرة من المجتمع لتحمل الصعوبات الاقتصادية على الدوام.

وعلى الرغم من هذا الوضع البائس، إلا أن السياسات الاجتماعية في الدول العربية لا تزال تعسفية وغير كافية للاستجابة للاحتياجات والمتطلبات الاجتماعية والاقتصادية لشعوب المنطقة. وتبلغ نسبة الفئات في الدول العربية المغطاة حاليًا بخدمة حماية إجتماعية واحدة على الأقل ما يساوي 40% فقط. كما يستفيد 7.2% من ذوي الاحتياجات الخاصة، و8.7% من العاطلين/ات عن العمل، و12.2% من الأمهات والمواليد الجدد، و15.4% من الأطفال، و24% من المسنين/ات فقط من خدمات الحماية إجتماعية، إلى جانب فئات أخرى ممن هم من الأكثر إحتياجا (منظمة العمل الدولية 2022). ولا تزال النفقات العامة على الحماية الاجتماعية متدنية في المنطقة، حيث لا تكاد تصل إلى 4.6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي (إلى جانب الرعاية الصحية)، و3.2 بالمئة على الرعاية الصحية (المرجع نفسه). إلا أن القضية الملحة هنا هي أهمية التعامل مع مشكلة أنظمة الحماية الاجتماعية المجزّأة والضعيفة في المنطقة العربية، والتي تستثني العديد من السكان - وفي أفضل الأحوال - توفر معونات إجتماعية على نطاق المجتمعات المحلية بدلًا من أن تشمل كل السكان في الدولة الواحدة.

ومن هنا، بهدف التعامل مع هذه القضية الملحة وفي سبيل تطوير أنظمة حماية إجتماعية شاملة مبنية على منهجيات الشمولية وأخرى مستهدفة لآليات توفير الخدمات للمواطنين، من الضروري إنتاج المعرفة العلمية اللازمة لاقتراح وتطوير حلول مجدية ماليًا فيما يتعلق بالإصلاحات السياساتية والبرنامجاتية، والإصلاحات القانونية، والإصلاحات المؤسساتية ومخططات التمويل، إضافة الى الإصلاحات الاجتماعية والسياسية. أما من ناحية تحسين نوعية خدمات الحماية الاجتماعية المقدمة فهو أمر معقد لأنه يتطلب التعامل مع العوامل السياسية-الاقتصادية وعوامل الحوكمة، ممّا يؤدي الى تنصّل الدول العربية من مسؤوليتها بهذا الشأن. كذلك، فإن هذا الموضوع بحاجة إلى إدراك مدى وعي المواطنين بمفهوم الحماية الاجتماعية باعتبارها أحد مبادئ حقوق الإنسان وواحدة من أساسيات العقد الإجتماعي الذي يربط الشعب بالدولة، إلى جانب مدى انتشار ثقافة القوانين بين السكان، ومدى إمكانية (أو عدم إمكانية) إدماج إصلاحات نظم الحماية الاجتماعية بمطالب الحراك الاجتماعي العربي.

وفي ضوء ما سبق، يعتبر إعداد البحوث حول هذا الموضوع بهدف استنباط توصيات براغماتية لسياسات الحماية الاجتماعية وتأييدها مهمّة صعبة. ويبدو أن الطريقة "التقليدية" لتأدية هذه المهمّة لا تؤدي الغرض، لأن الجهود المبذولة بعد الجائحة من قبل الجهات الاجتماعية الفاعلة المختلفة لم تنجح إلا في إحداث تحسينات طفيفة في نظم الحماية الاجتماعية السائدة، مما جعل هذه الجهات غير قادرة على مواجهة أزمة كبيرة كهذه. ومن هنا، من المهم جدًا تفحّص الفرص والتحديات التي تواجه عمليات إعداد البحوث لإيجاد نظم حماية إجتماعية أكثر شمولية وعدالة في الدول العربية.

ويوضّح المقال هذه التحديات ويتعمق في الأسباب الكامنة وراءها، وخاصة تلك المتعلقة بجمع البيانات وترجمتها بشكل عملي؛ والطرق والمنهجيات المتبعة لإجراء البحوث، والباحثين/ات، والمواضيع البحثية، والممارسين/ات، والناشطين/ات في هذه الأعمال، بالإضافة إلى مخرجات البحوث والتوصيات السياساتية التي تقدمها، والمساحات العامة التي يتم التفاعل معها عند محاولة كسب التأييد والمناصرة لإجراء الإصلاحات الضرورية. ويقترح المقال طرقًا للتغلب على هذه التحديات وتحويل المقايضات التي تسودها إلى إجراءات عملية لإحداث تغيير إيجابي ملموس.

ولعلّ السبب الرئيسي من تفسيراتنا في هذا المقال هو الحاجة إلى تحرير الطرق والمنهجيات التي نتبعها من الاستعمار الفكري لإجراء البحوث في المنطقة، بالإضافة إلى ربط أدوات المعرفة المنتجة الخاصة بنا محليًا وجعلها سهلة الوصول وأكثر تأثيرًا. ومن هنا، فإننا نؤمن بأن هذه النقلة المعرفية من شأنها تحرير الباحثين/ات الممارسين/ات الساعين/ات من "طريقة عملهم/ن" التقليدية المتبعة سابقا، مما يساعد في توسيع نطاق خدمات الحماية الاجتماعية لتضم الفئات الأكثر احتياجا في المنطقة العربية، إذ يساهم في الابتعاد عن الأفكار المغلوطة والتعاليم المفروضة المستنبطة من سياقات غريبة. فقد تمكنت هذه التحديات من ردع محاولات عدة لهؤلاء الباحثين/ات كما لكافة المعنيين بالموضوع، وأوصلت إلى أن تبوء محاولاتهم بالفشل.

إن التحليلات والاقتراحات المقدمة هنا ترتكز على تجارب صاحبة المقال كباحثة عربية في منتصف مسيرتها المهنية، عملت خلال السنوات الثماني الماضية في مجال الاقتصاد الاجتماعي والتنموي في المنطقة العربية، وذلك باتباع منهجيات بحثية كمية ونوعية ومن خلال إدارة عدة مشاريع بحثية ذات صلة - بما فيها على وجه الخصوص مشروعًا حول الحماية الاجتماعية في البلدان العربية - بما في ذلك تحليل المخرجات البحثية لهذه المشاريع والتحديات التي واجهتها خلال فترة تنفيذها، بالإضافة إلى الانخراط في نقاشات مستمرة مع مجموعة كبيرة من الباحثين/ات في هذا المجال. فقد مكّن ذلك الباحثة من اكتساب مخزون كبير من الملاحظات عبر السنين، والتي تمت مقابلتها ومراجعتها من خلال استعراض مكتبي مكثّف للواقع الحالي. ويتضمن المقال كذلك مقابلات إضافية مع باحثين/ات مخضرمين/ات وجدد في مجالات متنوعة، حيث يهدف المقال بشكل رئيسي إلى توفير معلومات عملية لكل من يرغب في إعادة النظر والتفكير في المنهجيات المتّبعة في البحوث الهادفة لتحقيق العدالة الاجتماعية المنشودة.

2 البيانات: ممارسات "العِلم السيء"

من أجل القيام بالإصلاحات وإحداث التغيير المنشود، لا بد من إجراء البحوث، والتي بدورها بحاجة إلى بيانات. وتحتاج برامج الحماية الاجتماعية، الشاملة والمستهدفة على حد سواء، قاعدات كاملة من البيانات للوصول إلى المستفيدين والمستهدفين. إلا أن المنطقة العربية تفتقر إلى البيانات الكافية (مقدسي، مروش ويزبك 2022)، كما أن هنالك بعض الدول العربية مثل العراق ولبنان التي لم تجدّد قاعداتها الإحصائية تعداداتها السكانية لأكثر من 25 عامًا، حيث تمتلك 3 من أصل 16 دولة عربية خارج دول مجلس التعاون الخليجي فقط (وهي المغرب، والأردن، ومصر)، سجلات إجتماعية وطنية موحدة (الإسكوا 2019). وهنالك شح في المحفوظات والوثائق، فحتى وإن وجدت، تكون البيانات – سواء الكمية أو النوعية – غير كاملة حيث تغطي عينات محدودة من السكان وتفتقر لبعض وحدات الدراسة/العينة المستعرضة أو لبعض نقاط البيانات في الفئة الزمنية قيد الدرس و/أو لبعض المتغيرات والمعايير القياسية. إضافة لما سبق، عادة ما تكون هذه البيانات غير مصنّفة حسب النوع الاجتماعي (الجندر) أو حتى الجنس، أو الفئة العمرية، أو الطبقة الاجتماعية/فئة الدخل، أو التوزيع المساحي (مثل المنطقة الجغرافية الداخلية أو حتى على صعيد الدول، والتوزيعات المناطقية المتمثلة بالريف مقابل الحضر والمركز مقابل الهامش)، أو حتى النماذج الاعتيادية للهشاشة الاجتماعية مثل الإعاقة والطابع غير المنظم للعمالة والوضع القانوني، إلخ. وفي نفس السياق، تفتقر المنطقة العربية إلى كمية كافية من البيانات الميكرواتية/الجزئية، والتي عادة ما يتم الحصول عليها من خلال الاستبيانات الأسرية والزيارات الميدانية، على الرغم من أن هذا النوع من البيانات لا غنى عنه للدراسات التي تعنى بالاحتياجات والخدمات الاجتماعية والاقتصادية، مثل تلك المرتبطة بتوسيع نطاق الحماية الاجتماعية.

وفي ضوء ما سبق، فإن البيانات الحالية غير الكاملة إلى جانب الجهود المبذولة لسد هذه الفجوات، تقع ضمن نطاق مسؤوليات الخبراء/الخبيرات الرئيسيين/ات في هذا المجال أو المفكرين/ات النظريين/ات أو المنظمات الدولية. إلا أن هذه المشكلة المحيرة تتضمن معضلة ألا وهي دراسة العينات الزائفة، حيث يعتقد الباحثون/ات الذين يقومون بإعداد الاستبيانات أو إجراء المقابلات أنهم يستهدفون فعلا الفئات الأقل حظًا في المجتمع. ويعود السبب في ذلك بشكل أساسي للفكر والمعرفة الاستعمارية المسبقة لدى الباحثين/ات (ستادون 2020)، حيث أنهم يبدؤون بإعداد البحوث وفي أذهانهم توقعات مسبقة، مما يجعلهم يحددون المشكلة بأنفسهم بدلًا من ترك المشكلة تعرّف نفسها لهم (بيرك 1983). وكنتيجة لذلك، ينتهي المطاف بالباحثين/ات بتشخيص مشكلة ليس لها وجود من الأساس أو إرسال الاستبيانات للأفراد غير المتضررين أصلًا، مما يعني مضيعة للموارد المخصّصة لحلّ المشكلة التي تواجه الأشخاص الأكثر احتياجًا في الحقيقة.

وبينما لا تمنع هذه المعضلة تحديد نماذج الهشاشة الاجتماعية بشكل منصف (مثل النساء، والأطفال، والشباب/الشابات، وكبار/كبيرات السن، والمهاجرين/ات، والعاملين/ات غير المنظمين/ات وكل من يعمل/تعمل في المهن الخطرة وفي ظروف هشة، إلى جانب السكان في المناطق الريفية، وذوي الاحتياجات الخاصة)، إلا أنها لا تأخذ في الاعتبار الحاجة لإعادة النظر في مفهوم الهشاشة الاجتماعية، على الرغم من أهمية هذا الموضوع في حال الرغبة في ضم نماذج جديدة من المستضعفين اجتماعيًا إلى برامج الحماية الاجتماعية (وهي النماذج التي تظهر خلال الأزمات/الصدمات) وكذلك النماذج غير المرئية في المناطق النائية والمهمشة (مثل المناطق البحرية والغابات والمناطق الحضرية)، حيث يتم التغافل عادة عن هذه المناطق (الشامي 2022).

وإلى جانب معضلة جمع العينات بطريقة خاطئة، تتضمن البيانات المتاحة وطرق جمع البيانات العديد من الممارسات السيئة التي تتعلق باستقصاء المعلومات ونشرها تحليلها. وعندما يبدأ الباحثون/ات أعمالهم بأفكار نمطية ومغلوطة ومسبقة عن المشكلة، فهم يميلون إلى البحث عن المعلومات التي لا تتعارض مع معتقداتهم السائدة. وفي هذا السياق، صرّح عالم اجتماعي وباحث ميداني أوروبي يعمل في لبنان، ويفضِّل أن يبقى اسمه مجهولًا، خلال مقابلة معمّقة مع الكاتبة: "شعرت بأنني لوثت المشاهدات الميدانية بتحيُّزي". إضافة لما سبق، وبحسب وليد مروش3 ، غالبًا ما يقع الباحثون/ات الميدانيون/ات ضحية للمقايضات ما بين التفضيلات المصرَّحة مباشرة للأفراد موضع البحث والتفضيلات التي يلاحظها/يستنتجها الباحث/ة عند إعداد التقارير وتحليل البيانات، حيث قال:

"بينما ترتبط التفضيلات الأولى بأفكار الأفراد الذين يتم توزيع الاستبيانات عليهم، إلا أنها تتأثر أيضًا بنظرة صاحب الاستبيان نفسه. ومع ذلك، ندرة هم الباحثون/ات الذين يأخذون بعين الاعتبار أنواع المدخلات هذه ويعاينونها بشكل متداخل للتأكد من صحة التحليلات التي يتوصّلون إليها. وفي معظم الحالات، يتم الأخذ في الاعتبار التفضيلات المعلن عنها صراحةً، ما يؤدي عادة إلى إنتاج بيانات على الصعيد الكلي/الماكرواتي والتي بدورها لا تعد مفيدة في الحصول على معلومات دقيقة عن خصوصيات الفئات المهمشة والأكثر استضعافًا في المجتمع."

وتكون هذه التناقضات أكثر وضوحًا في الدول الأقل تطورًا حيث تكون سلوكيات السكان فيها مضلّلة بسبب عدة عوامل مرتبطة بالعادات الاجتماعية فيها، وقوانين الاسرة، والديانة، والاعتبارات الأمنية، حيث يقوم الأفراد على الأغلب بالإجابة بطريقة مضلّلة والمراوغة حول الأسئلة المتعلقة بسبل كسب العيش، نتيجة حدّة فقرهم وأملهم بالحصول على المعونات من الجهات التي تجري المقابلة معهم ( ويتينجتون 2010).

لقد نجحت هذه المشاكل - والتي ذكرنا بعضًا منها فقط - في إعاقة قدرات الجهات المعنية في الدول العربية في إنتاج معلومات ومعارف تتماشى وتعبّر عن السياق الاجتماعي المحلي في تلك الدول؛ وبدلًا من ذلك، فرضت حلولًا معدّة مسبقًا ناتجة عن المفاهيم المغلوطة والتدخلات العرضية.

2.1 البيانات والمؤشرات الكمية

معظم أوجه النقص في البيانات المذكورة أعلاه أكثر حدّة في حالة البيانات والمؤشرات الكمية مقارنة مع حدّتها في حالة البيانات والمؤشرات النوعية، حيث أن القياس الكمّي ينطوي على الكثير من التدخلات والتعديلات الحسابية في الأرقام. ويمكن أن تشتمل هذه الأمور على ترجيح (وزن) متغيّر بمتغيّر آخر، وتطبيع المتغيّر، وتوحيد المتغيّر، ومعالجة الوحدات الخارجة عن النطاق الرقمي لسلسلة البيانات، وفرض أنواع من الحذف المعياري على التوزيع كتحديد الحد الأقصى أو الأدنى للمتغيّر لأغراض التجميع على سبيل المثال لا الحصر. يتم احتساب الأرقام أيضًا على أساس العديد من الافتراضات "النظريّة" لاستبعاد العوامل "الخارجية" المفترضة عند تشكيل مؤشر أو إنشاء علاقة بين متغيرين أو أكثر، على الرغم من أن هذه العوامل المفترضة التي نتحكم فيها قد تكون في صميم المشكلة التي نحاول حلّها. علاوة على ذلك، فإن الأرقام أقلّ تعبيرًا عن الحقائق البشرية في حين أن قضايا مثل الاستبعاد من خطط الحماية الاجتماعية هي قضايا إنسانية تحتاج إلى احتضان وهذا ما تقصيه الأساليب العددية وتعتبره أفكارًا أو مشاعر متحيزة. كما أن مشاكل مجموعات البيانات غير المكتملة، ونقص التصنيف في البيانات، والإفتقار إلى بيانات كافية على المستوى الجزئي/الميكرواتي، تتفاقم وتزداد حدّتها بشكل خاص عندما تنطبق على المعلومات الإحصائية.

وبالتالي، فإن المؤشرات الكمية هي مؤشرات محايدة للنوعية4 . وسواء كانت البيانات التي يتم إدخالها في الحسابات تُجمع على المستوى الماكرواتي/الكلي أو الميكرواتي/الجزئي، على النطاق الوطني أو على نطاق جغرافي محدود، فإن المؤشرات الكمية هي في الغالب مؤشرات ماكرواتية/كلية يتم تعريفها من قبل المؤسسات المالية الدولية والمنظمات الدولية العابرة للحكومات، والتي تولي الأولوية لمنظور المقارنة العالمية على الحاجة إلى مراعاة خصوصيات السياقات الإقليمية والوطنية والمحلية (أبو إسماعيل، أبو طالب، رمضان 2012). وتشمل الأمثلة على هذه المؤشرات الكلية في مجال الحماية الاجتماعية /العدالة الاجتماعية "الإنفاق الحكومي على الصحة كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي"، و"الإنفاق الحكومي على التعليم كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي"، و"الإنفاق على الإعانات كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي" (والتي غالباً ما يتم تصنيفها حسب الإعانات الغذائية وإعانات الطاقة).

هذه الأمثلة توضح إلى أي مدى لا تعكس هذه المؤشرات الأثر المتفاوت للتدخلات الحكومية على الفئات الاجتماعية المختلفة ولا تعبر عن توزّع الإنفاق الاجتماعي على هذه الفئات. فعلى سبيل المثال، في حين أنّ الإنفاق على الدعم في تونس ظل لفترة طويلة من أعلى المعدلات في المنطقة، فقد ثبت أن هذا الدعم تنازلي بشكل كبير في البلاد، حيث استحوذ الخمسان الأعلى دخلًا على الحصة الأكبر من دعم الطاقة والغذاء (كويستا، اللهجه، إيبارا 2015). وهذا يشير إلى الحاجة إلى مؤشرات "مبتكرة" وخارجة عن المألوف تعكس بشكل أفضل واقع المجتمعات الأكثر إحتياجا ولا تركز فقط على بعضها على حساب مجتمعات أخرى يكون نوع هشاشتها وتهميشها جديدًا أو غير شائع أو غير مرئي.

وبالحديث عن الحماية الاجتماعية على وجه التحديد، فإن المؤشر الكمّي الوحيد الذي تم احتسابه واستخدامه هو مؤشر هدف التنمية المستدامة (SDG) 1.3.1، وهو 'نسبة السكان المشمولين بأرضيات الحماية الاجتماعية، حسب الجنس، مع التصنيف بين الأطفال والعاطلين/ات عن العمل والمسنين/ات والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة والنساء الحوامل والمواليد الجدد وضحايا إصابات العمل والفقراء والضعفاء' (إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية -الأمم المتحدةUN DESA ). وفي حين أنّ هذا المؤشر يبدو حساسًا للنسيج الاجتماعي الأكثر احتياجًا للحماية الاجتماعية، فإن الأساس المنطقي لهذا المؤشر يركز على الأشخاص المشمولين وليس المستبعدين. ويرجع ذلك أساسًا لأن شعبة الإحصاءات التابعة لإدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة صنفته على أنّه 'مؤشر من المستوى الأول' فقط سنتين قبل بداية الجائحة وعلى أساس أنه "يتم إنتاج البيانات ذات الصلة بانتظام من قبل ما لا يقل عن 50 في المئة من البلدان ومن السكان في كل منطقة يكون المؤشر فيها ملائماً"، إلا أن هذه المعايير لا تنطبق على كل أجزاء المؤشر ولا من حيث المصطلحات المصنّفة، أي بالنسبة لسلسلة البيانات التي تغطي مختلف أشكال الهشاشة المذكورة في علامة المؤشر. ومن بين الدول التي لا تنطبق عليها هذه المعايير، فإن العديد منها دول عربية، كما يتم الإبلاغ عن المؤشر من قبل الدول بوتيرة كل سنتين فقط (إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية -الأمم المتحدة 2020).

وهذا التصنيف الجديد أتى بالرغم من أنّ هذه السلسلات البيانية لا تغطي سوى إمكانية حصول كل فئة ضعيفة إما على تقديمات اجتماعية واحده فقط على الأقل، أو على تقديمات إجتماعية من نوع واحد، سواء كان ذلك على شكل مساعدة إجتماعية أو تأمين اجتماعي أو برنامج لسوق العمل وبالتالي فإنها تنظر بشكل محدود على سبيل المثال في المعاشات التقاعدية لكبار/كبيرات السن، واستحقاقات الأمومة للنساء، وتغطية إصابات العمل للعمال/العاملات فقط، وتتجاهل الاحتياجات الاساسية الأخرى لهذه الفئات الاجتماعية. وبالإضافة إلى ذلك، ومع قيام مؤسسات الدولة بجمع البيانات على المستويين الماكرواتي والوطني، يعطي هذا المؤشر أبعادًا إجمالية توفر معلومات غير دقيقة لا تراعي تعدّد أبعاد الظروف المعيشية للمواطنين/ات وتستثني أولئك الذين لا يتم الإبلاغ عن دخلهم/استهلاكهم من خلال الإحصاءات الحكومية الرسمية، مثل أولئك غير المسجلين/ات أو غير المصرح بهم/بهن أو الذين يعملون بصورة غير رسمية.

إن المؤشرات الكمية الاستعمارية المعمول بها في الواقع لا يمكن التعويل عليها بالنسبة لأولئك الذين يهدفون إلى دعم أفقر الفئات وأكثرها تهميشاً وهشاشةً. والأساليب المستخدمة في احتساب هذه المؤشرات وسلسلة مؤشراتها الفرعية كما وسلسلة البيانات التي تتألف منها هذه الأخيرة تسفر عن تقديرات أقل من الواقع لمستويات الفقر وعدم المساواة (سرنجي وآخرون 2015). فخلال مقابلة معمّقة، ذكر أديب نعمة 5 سببين رئيسيين وراء التبسيط والخطأ في التقدير لأدوات قياس الفقر، ألا وهما: الاعتماد على الدخل والاستهلاك بوصفهما المؤشرين الوحيدين للحرمان بدلاً من قدرة الفرد الفعلية على تلبية احتياجاته الأساسية والحصول على الفرص التي يستحقها؛ وعدم حساب ما هو غير قابل للقياس (وتحديداَ للقياس الكمي) مثل الاحتياجات البشرية والنفسية والاجتماعية، والشعور بالعجز عن تغيير الواقع، وعدم القدرة على الازدهار. ويعتقد أديب نعمة أن هذه العيوب تتجاهل حقيقة أنّه لا يمكن توحيد جميع جوانب الحياة وأنّ ما هو مختلف/متباين عن المسار العام للسياقات التجريبية التي استندت إليها مؤشرات الفقر هو أيضًا مهم:

"على سبيل المثال، على افتراض أن هناك أسرة فقيرة تضطر إلى إخراج طفلها/طفلتها من المدرسة لعدم قدرتها على تحمّل تكاليف تعليمه/تعليمها، ليعمل/تعمل ويساهم/تساهم في زيادة دخل الأسرة. وعلى افتراض أن هناك أسرة أخرى لديها نفس خصائص الأسرة السابقة ولكن طفلها/طفلتها لا يزال/تزال ملتحقًا/ملتحقة في المدرسة. وبالتالي، إنّ الاعتماد على بيانات الإنفاق في حسابات الفقر يمكن أن يجعل الأسرة الأولى تبدو أكثر ثراءً بسبب الدخل المرتفع نسبيًا والذي يعود إلى عمل الطفل/الطفلة، وهذا ليس دقيقا. فالفقر ليس مجرد حرمان مادي"6.

كما أشار نعمة أيضًا إلى أنّ عدم اعتبار الأسرة "فقيرة" لمجرد امتلاكها درّاجة كوسيلة للنقل، أو امتلاكها لجهاز كمبيوتر محمول، أو حتّى امتلاكها مرحاضًا في المنزل هو معيار غير دقيق في معظم البلدان العربية في الوقت الحاضر، وذكر أن هذا الخطأ في التقدير يرجع إلى حقيقة أن تدابير الفقر تنبع من دراسات بنيت على حالات في الدول الأقل نموًا والتي لا تعدّ معظم المجتمعات العربية جزءًا منها.

وبالمثل، أشار نعمة إلى الجانب السلبي المتمثّل في إعطاء جميع الأبعاد وجميع المؤشرات الفرعية تحت كل بعد نفس الوزن عند حساب مؤشر الفقر متعدّد الأبعاد النهائي، والذي يضع أحيانًا جوانب ثانوية من الحياة على نفس مستوى الجوانب الأولية، والعكس صحيح. فبعبارة أخرى، يؤدي ذلك على سبيل المثال إلى التقليل من شأن عتبة الفقر في التعليم وإلى المبالغة في تقدير الفقر الغذائي. وعلاوة على ذلك، وعلى الرغم من التسليم بأهمية البيانات الميكرواتية/الجزئية لأسباب سبق ذكرها في هذا المقال، أبرز نعمة إثنين من عوامل عدم الأهليّة المرتبطة بهذا النوع من البيانات كما هو عليه حاليًا: (1) بغض النظر عن حجم المسح على المستوى الميكرواتي/الجزئي، فإنه يظل محدودًا ويصعب تعميمه ويمثل السياق الذي يجري دراسته فقط؛ و(2) يتم جمع البيانات على المستوى الميكرواتي/الجزئي عادة من خلال الدراسات الاستقصائية للأسر المعيشية التي تعتبر الأسرة كلّها كوحدة الرصد. ويمكن أن يؤدي العامل الثاني من عوامل عدم الأهليّة إلى تقديرات متحيّزة لمستوى الفقر في بعض الأسر بسبب ظروف حياة فرد أو فردين فقط في هذه الأسر. كما يؤدي ذلك إلى النظر إلى الأسرة باعتبارها وحدة متجانسة، لا تأخذ في الاعتبار الاختلافات في احتياجات مختلف أفراد الأسرة وتطلعاتهم والفرص المتاحة لهم (على سبيل المثال، النساء مقابل الرجال، كبار/كبيرات السن مقابل الشباب/الشابات، المتعلمون مقابل غير المتعلمين، الأشخاص ذوو الإعاقة مقابل الأشخاص غير ذوي الإعاقة) فضلًا عن المعايير الاجتماعية وأوجه عدم المساواة التي تظهر بينهم (كلارك وستيل 2002).

وأخيرًا، أكدّ نعمة كيف يتم أحيانًا تزوير البيانات الكمية واستخدامها كأداة تلاعب من قبل أصحاب السلطة. وكون أنّ الوكالات المختلفة تقدم أحياناً أرقاماً مختلفة (من الناحيتين المطلقة والنسبية) لنفس المتغير الاجتماعي-الاقتصادي، وكون المؤشرات المختلفة لنفس المتغير تؤدي أحيانًا إلى استنتاجات مختلفة، يضفي مصداقية كبيرة على طرحه. في الواقع، يعتقد العديد من الاقتصاديين/ات السياسيين/ات أن المبالغة في تقدير معدلات الفقر وعدم المساواة على المستوى الكلّي يتم عن عمد من قبل المنظمات الدولية التي ترغب في الإبلاغ في وقت لاحق عن "الإنجازات" في مجال التخفيف من حدة الفقر ومن حدة عدم المساواة (جيل 1996).

وبالإضافة إلى ذلك، فإن إدراك هذه المغالاة في التقدير - عند وجودها- يتيح لواضعي/ات السياسات التهرب إلى حد كبير من مسؤولياتهم. والأهم من ذلك، وفقًا لوليد مروش، أنّ المؤشرات الاجتماعية-الاقتصادية الماكرواتية/الكلية ليست ضارة إذا كانت متاحة لعينات كبيرة تمكّن من استنتاج الأنماط وإذا كان يُنظر إليها على أنها "بدائل" تقريبية تساعد في إثراء السياسات العالمية أو الإقليمية. بيد أنّه أشار إلى أنّ النهج الذي تتّبعه المنظمات الدولية التي تقود عملية احتساب هذه المؤشرات هو نهج رولزي (Rawlsian maxi-min)، 7 يبدأ بتضخيم أفضليات الرعاية الاجتماعية لأفقر شخص في المجتمع ثم يوسع هذا التدخّل ليشمل جميع فئات الدخل الأخرى. ونحن نعتقد أن هذا النموذج يجعل الأثرياء أفضل حالاً بينما يوجه الموارد التي يفترض أن تكون موجّهة للفقراء إلى من هم أكثر ثراءً على أساس تكافؤ الفرص وليس النتائج.

2.2 البحث النوعي

على الرغم من أنّ البيانات الكميّة هي البيانات الأكثر استخدامًا للبحوث المتعلّقة بالقضايا/الحقوق الاجتماعية-الاقتصادية مثل تغطية الحماية الاجتماعية، إن البيانات النوعية أو الكيفية لها أيضًا حصّة كبيرة في هذا المجال البحثي، حيث تم استخدامها منذ أواخر التسعينيات كـ"بديل تصوّري لتحرير منهجيّات البحث من الاستعمار الفكري"في المنطقة العربية (حبشي 2015) .والسبب الذي يجعلنا نعتقد أن اللّجوء إلى البحوث النوعية كعلاج "وهمي" هو لأنه مدفوع بتعزيز خطاب عربي موحّد كرد على الخطابات الاستعمارية، وبالتالي فهو لا يراعي تنوّع الأفكار والثقافات والحقائق في منطقة غير متماسكة وغير متجانسة. ومع ذلك، يمكن أن يمثل البحث النوعي طريقة هامّة لإنتاج معرفة هادفة ومؤثرة بشأن تحسين الرفاه الاجتماعي للفئات الأكثر إحتياجاً إلى أقصى حد ممكن، خاصة إذا تم إدراك ومعالجة الممارسات السيئة التي تشوّه حاليًا هذا النوع من البحوث (ليتل 2014).

يتمثّل أحد أوجه القصور الرئيسية في البحث النوعي في أنه يعتمد إلى حد كبير على مقابلات المخبرين (مثل المقابلات المعمّقة والمقابلات شبه الموّجهة) ومناقشات مجموعات التركيز البؤرية والدراسات الميدانية الإثنوغرافية. فيمكن أن تكون هذه الأساليب مكلفة للغاية وتستغرق وقتًا طويلًا وتتطلّب عمالة كثيرة (ميلر وسالكيند 2002). ولذلك، فإن إجرائها على عيّنات كبيرة بما يكفي لتكون تمثيلية ومولّدة لاتجاهات/أنماط قابلة للتعميم أمر صعب ويتوقف على توافر الموارد.

وينطبق الشيء ذاته على الحالات التي لا يهدف فيها البحث النوعي سوى للحصول على معلومات مفصلّة من مجموعة صغيرة من المشاركين بغية التعمّق لاحقّا في البحث الكمّي حول الجوانب المتنوعة للموضوع في عينات تمثيلية واسعة النطاق (أمريلد للنشر ن، د). وهنا يأتي دور التمويل في التأثير على طبيعة البحوث. فبما أن الجهات المانحة الدولية والأوقاف والمؤسسات المالية الدولية توفر التمويل الأكبر بصفة عامة، فإن أساليب البحث النوعي ومنهجياته مقيّدة بنهج هذه الكيانات الدولية وأيديولوجياتها وأجنداتها وطرائق عملها (ساتاري وآخرون، 2022؛ آجارد وآخرون 2021).

وتؤثر مسألة التمويل هذه أيضًا على طبيعة الجهات التي تقوم بهذا النوع من الأبحاث على نطاق واسع: لذلك، يغلب على هؤلاء الأكادميون/ات الذين يدرسون أو يدرّسون في الجامعات "الغربية"، والمنظمات الدولية، والباحثون/ات المتميزين/ات من البلدان المتقدمة. عندما يجري الباحثون/ات المحليون/ات هذا النوع من البحث، فإنهم غالبًا ما يكونون أيضًا طلابًا/طالبات أو خريجين/ات أو متدربين/ات من المجموعة السابقة من الفاعلين/ات أو موظفي/ات المجموعتين الأخيرتين (حنفي وأرفانتيس وكوري-آلدر 2017).

وبالنظر إلى أن البحوث النوعية تشمل الخبراء /ات وكذلك المجتمعات المستهدفة نفسها، من المهم أن يتم التحقّق من تصورات الخبراء/الخبيرات من خلال قصص المجتمعات المستهدفة، لا سيما عند التعامل مع قضية إجتماعية-اقتصادية تؤثر في الناس وتؤثر كذلك عليهم بشكل مختلف. ولكن نادرًا ما يحدث ذلك لأن الباحثين/ات، في معظم الحالات، يلتزمون إما بآراء الخبراء/الخبيرات أو بمقابلات مع المجتمعات المتأثرّة (فان سوست 2022)، على الرغم من أن ذلك يمكن أن يأخذ العملية البحثية في الاتجاه المعاكس (آراء الخبراء/ات تثبت معاناة الناس) (دورينغ 2020).

غالبًا ما تولّد الدراسات الإثنوغرافية مع الفئات الاجتماعية الهشة (سواء اتخذت شكل مقابلات أو ملاحظات ميدانية أو محادثات غير رسمية، وما إلى ذلك)، والتي تهدف إلى معالجة مواضيع هامة مثل إصلاحات نظم الحماية الاجتماعية، حواجز ينبغي التغلب عليها. الأول هو حاجز اللغة بين الباحثين/ات الميدانيين/ات والأشخاص الذين تمت مقابلتهم، ليس فقط من حيث استخدام اللغة الإنجليزية بدلاً من العربية ولكن أيضًا من حيث استخدام معجم ومصطلحات لا تفهمها المجتمعات قيد البحث. وعلاوة على ذلك، في كثير من الحالات، تفتقر الفئات الضعيفة، ولا سيما تلك التي تعيش في مناطق نائية، إلى الإلمام بالشؤون الرقمية/الإلكترونية والمالية فضلاً عن قدرتها على الوصول إلى الخدمات المالية وشبكة الإنترنت والأدوات أو الأجهزة الرقمية (يركوبي، باسوكي، بورونو 2019). وهذا يحول دون وصول الباحثين/ات بشكل كامل إلى هذه الفئات، ودون تعويضهم مادياً مقابل المشاركة في البحث (في حالة المقابلات مدفوعة الأجر) بل وحتى دون إيجاد حلول لهم للاستفادة من برامج الحماية الاجتماعية التي تتطلب إما محو الأمية الرقمية أو محو الأمية المالية أو كليهما.

يمكن القول بأن الباحثين/ات والقائمين/ات على التعدادات والمسوحات عادة ما يظهرون سلوكاً " نخبويًا" خلال مساعيهم البحثية (ليلي وآيلينغ 2021). كما من البديهي افتراض أن الباحث/ة الغربي/ة أو الغني/ة قد يعتبر/تعتبر سلوكًا طبيعيًا تمامًا من قبل المجتمع المحلي الذي يجري/تجري عليه البحوث على أنّه مختلفًا/متميزاً، وذلك بسبب اختلاف المعايير الاجتماعية والثقافية. ومن ناحية أخرى، فإن الفئات المستهدفة قيد البحث لا تمتلك بثقافة البحث كذلك. فبدلاً من ذلك، إن العديد منهم لديهم "كراهية طبقية"، وبالتالي يرفضون التعاون (أو التعاون بما فيه الكفاية) مع أولئك الذين يحاولون مساعدتهم من باحثين/ات وممارسين/ات (نتينغم مبوهو وتومكينسون 2022).

لا تستطيع الفئات الهشة أن تفهم سبب اهتمام الأشخاص الأثرياء والمتعلمين/ات بمشاركتهم مظالمهم وبتوثيق وفهم حقائقهم أو استعدادهم للتعبير عن مطالبهم والدفاع عنها. وبالكاد يمكنهم الوثوق بالباحثين/ات الممارسين/ات الذين يتواصلون معهم لمجرد جمع المعلومات، لأنهم يخشون أن يكونوا إما صحفيين أو أعضاء في مكاتب المخابرات الوطنية. أمّا عندما يتم بناء شكل من أشكال الثقة بين الفئتين، فغالبًا ما يرجع ذلك إلى أن الفئات المهمشة قد تعتقد أن الباحثين/ات هم من منظمات إنسانية تحاول تقييم وضعها من أجل تزويدها بالمساعدات (مثل التحويلات النقدية والمساعدات الغذائية والتبرعات العينية وخدمات المياه والصرف الصحي والنظافة WASH). ففي هذه الحالة الأخيرة، يميل الأشخاص الذين تمت مقابلتهم إلى عدم الإقرارعن دخلهم الحقيقي (أي التنقيص من كمية الدخل المعلنة) والمبالغة في الحديث عن مستوى الفقر/الحرمان الذي يعانون منه وحجب المعلومات المتعلقة بالمساعدات التي قد يتلقونها من الجهات الفاعلة غير الحكومية، وما إلى ذلك (غنغلر وآخرون 2021).

اقترحت هله يوسفي (2021: 836) مصطلح "الفهلوة" المصري على أنه "إستعارة لوصف أفضل للتحديات التي تواجه البحث المحرّر من الاستعمار الفكري، إذ تتسم الفهلوة بأسلوب يميل إلى التنافس والتركيب الدائم بدلاً من التصميم المنهجي الرسمي والموحّد". يستخدم معظم الباحثين/ات الذين يدركون التحديات المذكورة أعلاه الفهلوة كاستراتيجية للبقاء والمقاومة. فلهذه التقنية إمكانيات كبيرة، ولكنها في بعض الأحيان لا تعمل وفي أحيان أخرى تأتي بنتائج عكسية. وقد ذكر باحث ميداني مصري شاب في مجال الحق في الصحة خلال مقابلة مع الكاتبة: "مهما فعلنا نحن [الباحثون/ات الميدانيون/ات]، مهما كنا نرتدي من ملابس بسيطة ومتواضعة وننزع عنا أي أشياء ثمينة ونكيف لهجتنا وننتبه للغتنا، الخ... سيظلون [الفئات قيد الدرس] يشعرون أنّنا مختلفون. وسنرى ملامح من عدم الثقة والشعور بالخيانة على وجوههم 8."

وفقًا لهذا الباحث، فإن أكثر الأسئلة المطروحة عادةً من قبل المجموعات المستهدفة هي "لماذا؟". لماذا تسأل/ين؟ لماذا تريد/ين أن تساعدني/تساعديني؟ لماذا هذا البحث؟ "نظرية المؤامرة متأصلة في الثقافات العربية، وخاصة بين السكان العرب المحرومين، وهي ممزوجة بكراهية ل"الأثرياء" والغرب والبيض والمختلفين (غري 2010).

تؤدي هذه العوامل الثقافية والاقتصادية والأمنية المتراكمة إلى انعدام الثقة لدى من أجريت معهم المقابلات، وهو أمرٌ مُبرّر أحيانًا وفقًا لباحثة تونسية خلال إجتماع داخلي9، حيث أشارت إلى أن العديد من الباحثين/ات لا يلتزمون بقواعد أخلاقيات البحث، وأن وسائل الإعلام تقوم بوصم المجتمعات الأكثر احتياجاً إلى حد كبير، وأن العديد من المنظمات غير الحكومية تسيء إلى هذه المجتمعات. وحول هذه النقطة الأخيرة، أوضحت الباحثة التونسية أنّه في بعض المناطق الريفية في تونس، بدأت النساء المسنّات من صاحبات المشاريع والأعمال التجارية الصغيرة في إنتاج الحرف اليدوية البسيطة للملابس والديكور المنزلي وبيعها كشكل من أشكال المقاومة الاقتصادية والتعاضد خلال جائحة كوفيد-19. وتحت مسمّى دعم هؤلاء النساء، كانت المنظمات غير الحكومية الدولية آنذاك تقوم بمساعدتهم على الخروج من الأزمة الصحية من خلال شراء منتجاتهم. واكتشفت هذه المجموعات من النساء لاحقًا أنه في حين كانوا يبيعون الحرف بأسعار رخيصة، كانت هذه المنظمات غير الحكومية تبيعها بأسعار أعلى بكثير بوصفها منتجات "شرقية" و"أنتيكية"، دون توجيه أي أرباح لصالحهنّ.

التضليل الإعلامي النابع عن الجهات المستهدفة من قبل البحث ليس فقط نتيجة مخاوف هذه الفئات الأمنية ومخاوفها من الوصم الاجتماعي، وليس فقط نتيجة سيادة ثقافة المعونة الإنسانية عوضاً عن ثقافة البحث، بل هي أيضًا نتيجة لاعتماد عينات بحثية خاطئة وغير دقيقة. فعلى غرار المسوحات المايكرواتية/الجزئية، تميل الدراسات الاثنوجرافية بشدة إلى إعتبار الأسرة على أنها وحدة المعاينة، وتجري في بعض الأحيان مقابلات مع الأسرة بأكملها (غيست، نيملي، ميتشيل 2013). ومثل هذه الممارسة لا تأخذ بعين الحسبان ديناميكيات السلطة وموازين القوى الأسرية في المنطقة العربية (مثل من هو/هي رب/ة الأسرة/المعيل/ة الرئيسي/ة) والتأثير غير المباشر لرأي فرد على الآخرين داخل الأسرة، وما إلى ذلك. كلّ هذه أمور تؤدي إلى استنتاجات متحيزة. وبصرف النظر عن الديناميكيات بين الباحثين/ات والأفراد موضوع البحث، يعمل الباحثون/ات أيضًا في الأماكن العامة الخاضعة للمراقبة الامنية وفي ظل التضييق على المساحات المتاحة للمجتمع المدني والناشطين/ات في معظم البلدان العربية. وقد تفاقمت هذه القيود بسبب جائحة كوفيد -19، ولا سيما في بلدان مثل مصر والأردن حيث تمت إدارة الأزمة عسكريًا من قبل الحكومات.

إضافة إلى الديناميكيات بين الباحثين/ات العرب وأرباب عملهم ومموليهم ومستشاريهم، فإن هؤلاء الباحثين / ات، مثلهم مثل غالبية الباحثين/ات من دول الجنوب العالمي، يخضعون أيضاً للتمييز وهم ضحية موازين القوى القمعية من قبل مجتمعاتهم بشكل عام. وهذا يعوق قدرتهم/ن على إنتاج بحوث موثوقة بوتيرة سريعة وبإستمرار، كما يعيق مشاركتهم/ن في منصات البحث الهامة، والمجلات الأكاديمية، وفرق/مجالس التحرير (أمارته وزوربريغ 2022). وقد تم اقتراح إثنوغرافيا الأقران(Peer Ethnography) ، من بين أشكال أخرى من البحث الإجرائي، كبديل يحلّ العديد من المعضلات المذكورة آنفًا. ومع ذلك، فإن إدماج الفئات المهمشة بفعالية في العمل الميداني الإجرائي أثبت أنّه أمر صعب في السياقات العربية للأسباب نفسها التي سبق ذكرها إزاء التشرذم الثقافي والاجتماعي، وانعدام الثقة بين هذه الفئات المدروسة والباحثين/ات. وتعتبر إحدى كبار الممارسات التنمويات اللاتي يعملن في مجال المبادرات التي تقودها المجتمعات المحلية واللاتي تتعاونَّ باستمرار مع الباحثين/ات المجتمعيين/ات في الأردن أنّ هذا هو أحد أكثر التحديات ضررًا للبحث وتأثيره السياساتي.10 وإدراكًا منها أن الجمع بين الفئات الأكثر إحتياجاً والخبراء/الخبيرات وصانعي/ات السياسات بشكل جماعي من شأنه أن يزيد من اتساع هذه الفجوة المثيرة للقلق، فإنها تعتقد أن ربط الباحثين/ات بالممارسين/ات سيكون حلاً وسطًا جيدًا وقد يَعد بتأثير أقوى.

3 المقاربات والمنهجيات والمسارات: ما هي البدائل المتاحة؟

يمكن تلخيص المقاربات والمنهجيات والعمليات المشتركة بين أساليب البحث الموضحة أعلاه بالنقاط التالية:

  1. "الإستحواذ" الاستعماري من خلال آليات التمويل؛
  2. تحديد طرق البحث لنوع وجودة البيانات بدلاً من تحديد البيانات للأساليب التي ينبغي استخدامها؛
  3. المقايضات داخل أساليب البحث وفيما بينها؛
  4. استبعاد ما هو غير قابل للقياس؛
  5. النظر في مسألة تنموية متعددة الأبعاد من منظور أحادي البعد، دون إدماج فرق بحثية متعددة التخصصات؛
  6. عدم القدرة على إدماج المجتمعات المتضررة في مسار البحث أو استيعاب مظالمهم بالكامل.

وتتمثل المقايضة الصارخة القائمة في أن: البحوث الإثنوغرافية يُنظر إليها على أنها تؤدي إلى سرد القصص/الأدلة القولية التي لا تقنع صانعي السياسات، فيما أن هؤلاء لا ينظرون إلّا إلى البيانات الكمية، رغم أن هذه البيانات لا تعبر بالكامل عن واقع الفئات الهشة.

وللتغلب على هذه المعضلة، ينبغي أن تتبع الجهات الفاعلة نهجاً مختلطاً من الأساليب البحثية ليسمح بتثليث البيانات، ولكي يكون هذا النهج ممكنًا، يجب أن يكونوا مستعدين لاعتماد منهجية متعددة التخصصات تجمع بين الأنثروبولوجيا الاجتماعية وعلم الاجتماع وعلم الاقتصاد، وفقاً لروبرت تشامبرز (كورنوال وسكونز 2022). حيث يعتقد الأخير أن هذا النهج من شأنه أن يحسّن التفاعل بين البحث التشاركي والبحوث المستبقة، ومن شأنه أيضا أن يعوّض أوجه القصور، والافتراضات، وقصص النجاح/أفضل الممارسات غير القابلة للتطبيق، والدروس المستفادة من خلال المراجعات المكتبية. إن عدم وجود حوكمة إلكترونية وحكومة مفتوحة يؤدي إلى تفاقم هذه المعضلة، لكن يمكن لحلّ هذه المسألة أن يشكل أيضًا نقطة انطلاق رئيسية للبدائل والحلول من أجل تحويل الجهود المتفرقة لجمع البيانات وتحليلها إلى بنية تحتية موحّدة وممنهجة وموثوقة يجري تحديثها بانتظام وبشكل أكثر تواترًا لتكون بمثابة دليل مرجعي وشفاف للجميع.

ويحلّ استخدام البيانات الكمية والنوعية بشكل صحيح - بمجرّد توافرها - جزءًا رئيسيًا آخر من المشكلة. فعلى سبيل المثال، الاعتماد على أعداد غير كافية وغير دقيقة لإطلاق شبكات الأمان الاجتماعي المستهدفة يدفع إلى اتباع منهجية تحديد المستهدفين (PMT)، والتي تهدف إلى التنبؤ بمستوى الرفاهية والدخل للأسرة باستخدام صيغة إحصائية ومتغيرات بديلة تتعلق بالتركيبة السكانية ورأس المال البشري ونوع السكن والسلع المعمرة والأصول الإنتاجية - كما هو مستخدم عادة في مسوحات الأسر المعيشية. وتستخدم هذه المنهجية من قبل الحكومات والمؤسسات المالية ومؤسسات المعونة الإنسانية لتحديد واستهداف الأسر المؤهلة لهذه البرامج.

ومع ذلك، فإن هذه المنهجية لا تعالج بفعالية غرضها الرئيسي المتمثل في ضمان توفير الحماية الاجتماعية لأفقر أفراد المجتمع. بل إنها تحتوي، بدلا من ذلك، على أخطاء مضمنة بسبب خوارزميات التنبؤ التي لا تشمل سوى 40-60 في المائة من دخل الأسر المعيشية، والمتغيرات التقريبية غير الدقيقة، بالإضافة إلى رداءة نوعية الاستقصاءات وعد تواترها بالشكل الكافي، والمعلومات الخاطئة، وانخفاض مستوى التغطية للعينة المختارة، مما يؤدي إلى استبعاد أكثر من نصف الأسر المعيشية الفقيرة التي من المفترض أن تكون مستهدفة (أي تضمين منتفعون/ات غير فقراء واستبعاد فقراء غير مستفيدين/ات كما يملي نموذج التغطية) (مركز البحوث والعمل في مجال العلوم الاجتماعية 2022؛ سيباستيان وآخرون 2018). وفي ملاحظة ذات صلة، فإن وحدات الدراسة الناشزة التي يتم حذفها أثناء تنظيف مجموعات البيانات الرقمية تمثل في بعض الأحيان من هم في أمس حاجة إلى المساعدة ومن ينبغي أن نبذل قصارى جهدنا لاستهدافهم.

إن الافتقار إلى البنى التحتية للبيانات التي سبق أن وصفناها في هذا القسم هو المحرك الرئيسي للجهات الفاعلة نحو اعتماد نموذج الحماية الاجتماعية التالي: البرامج المستهدفة المحددة زمنيًا والتي لا تشكل أساسًا للحقوق. بل على العكس من ذلك، يزيد هذا النموذج من التوترات الاجتماعية بين المستفيدين/ات وغير المستفيدين/ات، ويسمح بالتدخل السياسي، وخاصة في سياقات المحسوبية والطائفية المشابهة لما هو موجود في لبنان والعراق (الإسكوا 2021 ت). والأسوأ من ذلك، وعلى عكس برنامج "بروغريسا" في المكسيك وبرنامج "بولسا فاميليا" في البرازيل ومعظم برامج أميركا اللاتينية، فإن برامج المساعدات الاجتماعية في المنطقة العربية تفتقر إلى عمليات المتابعة والمراجعة والمراقبة والتقييم اللازمة، والتي من شأنها أن تقدّم لمحة عامة وشاملة ل"ما يجب وما لا يجب فعله" كما ولحجم الأثر الذي تم تحقيقه.

حتى عند تطبيق هذه الاجراءات، يتم تنفيذها بشكل سطحي، وغالبًا ما تستخدم مراجعات سردية تعكس سعي الأخصائيين/ات الاجتماعيين/ات للترويج "لإنجازاتهم". وفي حين أننا ناقشنا إستخدام البيانات/البحوث الكمية في معالجة قضايا الحماية الاجتماعية، يجب علينا الآن أن نسلط الضوء على أهمية إستراتيجيات تقييم الأثر الكمي مثل تجارب التحكم العشوائية، وتجارب الفرق في الاختلافات، وتجارب انقطاع الانحدار، وتجارب مطابقة درجات الميل، والتي نادرا ما تستخدم في المنطقة العربية. هذا على الرغم من أنها دقيقة جدًا في إنتاج نقاط بيانات جزئية محدودة لكن مفيدة وهي قادرة على إثبات العلاقات السببيّة بين التدخلات/العلاجات والتأثير الناتج عنها. ويمكن أن يؤدي الجمع بين هذه الاستراتيجيات والاستعراضات النوعية الدقيقة إلى نتائج وتقييمات مثلى ومفيدة للتحسين والتطوير (ريد وآخرون 2021).

وبالتالي، فإن التخلص من نماذج التنمية التي يهيمن عليها "الشمال العالمي" لا ينبغي أن يقتصر على إلقاء اللوم على الإمبريالية والرأسمالية في التسبب بعدم تكافؤ فرص في إنتاج البحوث والوصول إليها، أو التسبب بتسويق المعرفة من خلال المنصات القائمة على الاشتراك المدفوعة وإتفاقيات الملكية الفكرية (IP). بل يجب أيضاً النظر الى المعرفة كمنفعة عامة يشارك بها الجميع. ويتعين على علماء/عالمات الاجتماع العاملين/ات في المنطقة العربية أن ينظروا في كيفية استمرار هذه النماذج في إعادة إنتاج تأثيرات الاستعمار الفكري من خلال فرض الأساليب والمنهجيات البحثية، وإملاء ما هو صواب أو خطأ، وما هو جيد أو سيئ. يجب ألا يخشى الباحثون/ات من اتباع أو التخلي عن تقنيات البحث "السائدة" وذلك بناءً على ما يرونه مناسبًا للسياقات التي يدرسونها. وفي المنطقة العربية، ينبغي أن يظل الباحثون/ات مدركين/ات لإمكانية تحسين السياسات الاجتماعية-الاقتصادية، على وجه التحديد، من خلال معالجة عدم فعالية منهجيات البحث المشتركة على مستوى العالم (بما في ذلك عدم وجود أدوات نوعية مبتكرة وأكثر شمولًا). وبالإضافة إلى ذلك، يمكن تحسين هذه السياسات من خلال مكافحة الهياكل السياسية-الاقتصادية المتأصلة في الطريقة التي تعمل بها المؤسسات - العامة والخاصة على حد سواء - في نطاق من النظم الأبوية الهرمية التي تغذي التعقيدات الطبقية وديناميكيات السلطة (عبر النظام السياسي والأديان والطوائف والعشائر والقبائل). إنّ الاقتصاد السياسي لعملية صنع السياسات الاجتماعية هو الذي يفسر لماذا قد تكون البيانات غير موثوقة، وتُقيَّم في الوقت نفسه على أنها تمثل الحقائق بالأرقام، عوضاً عن التجارب الحية التي ينبغي أن يستند إليها التغيير الاجتماعي والاقتصادي.

4 السبيل القادم في ضوء المساحات السياسية المغلقة

لقد أظهر هذا المقال ضرورة اتباع البحث التشاركي والتحرري من الاستعمار الفكري، الذي يعالج التحديات التي تتم مواجهتها خلال عملية البحث، سواء على مستوى جمع البيانات أو تحليلها وتفسيرها. ويشدد المقال على ضرورة اتباع نهج متعدد المنهجيات ومتعدد التخصصات يمكّن من توفير توازن بين البحث الإجرائي والبحث الكمي الموثوق لتحقيق أفضل النتائج البحثية. ويدعو المقال الباحثين/ات في العلوم الاجتماعية، خاصة أولئك العاملين/ات في برامج وسياسات الضمان الإجتماعي، إلى فضح زيف سياسة الانتداب البحثي، وأن يكونوا مستعدين للتحولات المعرفية، وأن يحاولوا إعادة قراءة وإعادة تعلم الأفكار والمفاهيم التي يمكن أن تكسر معتقداتهم الهيمنية وممارساتهم المعتادة (بارتليت وآخرون، 2007). حيث تم استلهام هذه الاقتراحات، التي تم تبيينها في كامل المقال، من الإطار المقترح لممارسة الانعكاسية النقدية وممارسة التبادلية واحترام تقرير المصير الذاتي، واعتناق طرق المعرفة للفئات المختلفة ومنها المهمشة، وتجسيد سلوك تحويلي في البحث، وذلك استنادًا إلى مقترح ثامبيناثان وكينسلا 2021 . يتيح ذلك الاستعداد لتجربة أساليب جديدة، وكذلك لتجربة (بشكل علمي) منهجيات جديدة وقبول التغيير ومشاركة النتائج وبناء قدرات بعضنا البعض، من أجل تنفيذ الإطار الأمثل لإنتاج المعرفة الذي ندعو إليه.

من ناحية أخرى، يجب أن نضع في اعتبارنا أنه بمجرد أن تكون نتائج البحوث جاهزة وتُعبر عن توصيات سياساتية، سيتعين علينا مواجهة تحدي كبير آخر في الدول العربية، وهو التعامل مع مساحات سياساتية مغلقة تتميز بحكومات غير شرعية وطرق سياسية مسدودة و/أو خطوط حمراء سياسية تحدد من يجب أن يُشمَل (أو من لا يجب أن يُشمَل)، مما يستبعد اللاجئين ومجتمعات الميم عين وغيرهم. سيواجه المدافعون/ات عن العدالة الاجتماعية أيضًا تقاعساً وتراخٍ سياسيًا أو ما يعرف بـ"سياسة اللا سياسة"، وهو ما ينبع من وجود إرادة سياسية ل"عدم التغيير" وليس فقط من عدم وجود إرادة سياسية للتغيير. يعتبر ذلك جزءًا من استراتيجية البقاء للطبقات الحاكمة ونيّة عند الأخيرة في التسبب باللا مبالاة الاجتماعية بين الشعوب عن طريق إبقائهم مشغولين بكسب لقمة العيش اليومية. ويعد ذلك أيضًا جزءًا من النية في الحفاظ على الأنظمة الحاكمة المعترف بها على أساس الانتماء الطائفي والزبائنية، حيث يكون الحكام - من خلال أحزابهم ومنظماتهم الدينية - مقدمي الخدمات الاجتماعية بدلاً من الدولة، مما يزيد قاعدة تأييدهم من خلال شراء أصوات المستفيدين بهذه الخدمات (أشكار 2021).

ستحتاج جهود الدعوة إلى الإرادة السياسية للأحزاب المعنية والسلطات التشريعية والأنظمة المرجعية إلى المعرفة والخبرة، والتي غالبًا ما لا تتكامل في موقف إصلاحي تجاه التأويلات التي تؤثر في حياة الناس. تجعل هذه الانفصالية من أعمال التأييد والمناصرة غير مفيدة في بعض الأحيان إذ لا تستجيب لمنطق الأجهزة الامنية وأنظمة القوانين الدينية التي تستمر جميعها في تهميش المساحة المدنية وتجاهل النتائج البحثية التي يشير إليها المدافعون/ات (البنك الدولي 2013).

إحدى السبل للخروج من المأزق المتمثل في المساحات السياسية المغلقة هو تعبئة العلماء/العالمات الشباب/الشابات والنشطاء/الناشطات عن طريق تزويدهم بالمعرفة (المفاهيم والوعي التقني ومجموعات التوصيات السياساتية الواقعية المبنية على الأدلة، وما إلى ذلك) والأدوات/التكتيكات للناشطية والدعوة والمدافعة، وهي عناصر رئيسية لخلق حركات إجتماعية مطلبية و"اللا حراكات الاجتماعية أو ما يعرف أيضاً بالحراكات الاجتماعية اليومية" تدعو للحماية الاجتماعية التي يمكن أن تحدث التغيير المنشود (بورموكارتي 2015:41). تتمتع هذه الحراكات التدريجية، وفقًا لآسف بيات (2013)، بالقدرة على التفاوض على مساحات أوسع يوميًا لتفضيلات وخيارات المواطنين، مما يكسر بنية السلطة العلاقاتية التي تستمر في خدمة المثلث الحاكم للقوى في المنطقة العربية: الأجهزة الأمنية، والتعصب الفكري والإسلام السياسي، والقبلية والطائفية.

يمكن تعزيز هذه الحراكات من خلال إجراء برامج تعليم وتدريب على نطاق واسع لهؤلاء الفاعلين. كما يجب أن يرافق تلك الجهود المبذولة إبراز لأصوات الأشخاص الفقراء/الضعفاء خلال المناقشات العلمية ومناقشات النشطاء/الناشطات ومحاولات ترجمة/نقل المعرفة. ومع ذلك، من الأمور الحاسمة أن نختبر أولاً شرعية التوصيات السياساتية التي تنتج عن أبحاثنا بين الفئات الاجتماعية المعنية ذاتها، نظرًا لغياب سيادة القانون وثقافة القانون في المنطقة. على سبيل المثال، هل يرغب فعلاً عمال/عاملات العمل غير المنظم في أن يصبحوا منظمين / ات ؟ لقد أثبتت العديد من الدراسات ابتعادهم المتعمّد عن هكذا إجراءات رسمية، وحتى عن برامج الحماية الاجتماعية، من أجل تجنب دفع الضرائب أو المساهمات، وأن يصبحوا مضطرين للخضوع لبعض الأطر القانونية، وما إلى ذلك (ديبة، فقيه ومروش 2019). بل ينبغي بذل جهود هائلة لتثقيف الفئات المهمشة حول مفاهيم ومبادئ الحماية الاجتماعية، فضلاً عن كونها حق من حقوقهم. هذا أمر ضروري لكي يتمكنوا من التعبير عن مطالبهم بشكل مباشر والتعبئة على المستوى الوطني، كوسيلة لكسر – لو جزئياً – المساحات السياسية المغلقة أمام العلماء/العالمات والنشطاء/الناشطات.

في النهاية، كما تم شرحه في هذا المقال، فإن سد الفجوة بين البحث العلمي (بما في ذلك البحث الاجرائي) والبحث التطبيقي (المبني على الممارسة) والهادف لتغيير السياسات الاجتماعية ضرورة ملحة. ويتطلب ذلك إرادة لوقف العمل المنعزل وبدلاً من ذلك جمع الباحثين/ات والممارسين/ات، وأن يتم تمثيل المجتمعات الضعيفة أو ممثليهم في هذه التجمعات بقدر الإمكان. كما أنه من المهم بالمثل استبدال النتائج البحثية الجافة والتقنية والطويلة بمخرجات سياسات أكثر عملية ومفيدة وسهلة الفهم، وفي نفس الوقت مبنية على الأدلة. ويعد استخدام أدوات مثل الرسوم البيانية التوضيحية والاقتباسات ومقاطع الفيديو التقريرية، والاستفادة من توسع وسائل الإعلام المستقلة في المنطقة أمرًا حيويًا أيضًا. في الوقت نفسه، تعد دراسة تصنيف منتجي/ات ومستهلكي/ات البحوث (من يكتب/تكتب وماذا يكتب/تكتب؟ ومن يقرأ/تقرأ وماذا يقرأ/تقرأ؟) وضمان التوقيت المناسب لنشر مخرجات البحث المختلفة (ماذا يجب نشره ومتى؟) واعدًا بأن يكون لأبحاثنا أثر أكبر.

تأمل المؤلفة أن يمثل هذا المقال، من خلال دمج منظور تحريري عن الاستعمار الفكري أثناء استعراض الدروس المستفادة من البحوث التي أجريت خلال/عن جائحة كوفيد-19، انطلاقة تحول من إنتاج المعرفة النمطي للسياسات الاجتماعية في المنطقة العربية إلى صيغة معرفية أكثر أصالة ومحلّية وتفاعلية.

---------------------------------

* صدرت هذه النشرة IDS Bulletin كجزء من برنامج Covid-19 لترجمة المعارف من أجل الإنصاف (CORE)، بقيادة معهد التنمية الدولية (IDS)، الذي يدعم ترجمة المعارف المنبثقة عن مبادرة CORE. يجمع CORE، بدعم من مركز أبحاث التنمية الدولية (IDRC)، 20 مشروعًا لفهم الآثار الاجتماعية والاقتصادية للوباء، وتحسين الاستجابات الحالية، وتوليد خيارات لسياسات أفضل للإنتعاش. يقود البحث باحثون/ات محليون/ات وجامعات ومراكز أبحاث ومنظمات مجتمع مدني في 42 دولة في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط. الآراء المعرب عنها هنا هي آراء المؤلفة ولا تمثل بالضرورة آراء مركز أبحاث التنمية الدولية أو مجلس محافظيها أو دائرة المعلومات الدولية. للمزيد من المعلومات، يرجى الاتصال بما يلي: c19re.org.

1 - فرح الشامي، زميلة رئيسية، مبادرة الإصلاح العربي، فرنسا.

2 - أدى الاحترار العالمي والجفاف والتلوث، من بين عواقب أخرى لتغير المناخ والتدهور البيئي، بالإضافة إلى النزاعات حول موارد المياه العابرة للحدود وسوء إدارة هذه الموارد، إلى أزمة مياه عالمية تصاعدت في صيف عام 2022. تتجسد هذه الأزمة في ندرة المياه العذبة النظيفة ومياه الشرب المأمونة في العديد من البلدان الأوروبية والعربية أيضًا، لا سيما تلك التي تمر فيها أنهار دجلة والفرات والنيل وغيرها من الأنهار الرئيسية.

3 - أستاذ الاقتصاد في الجامعة اللبنانية الأمريكية، عمل في العديد من دراسات المسح الميداني، بما في ذلك مشروع صحوة (SAHWA) « البحث في شباب البحر الأبيض المتوسط العربي: نحو عقد اجتماعي جديد » في لبنان والجزائر وتونس والمغرب ومصر. أنظر/ي مدرسة عدنان قصار لإدارة الاعمال للحصول على مزيد من المعلومات حول وليد مروش.

4 - فهي لا تأخذ في الحسبان المعلومات التي لا يمكن الحصول عليها إلا من الابحاث النوعية، وبالتالي فهي تغفل جزء كبير من الواقع.

5 - مؤلف كتاب التنمية والفقر: مراجعة نقدية للمفاهيم وأدوات القياس (نعمة 2021). انظر شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية للمزيد من المعلومات عن أديب نعمة.

6 - مقابلة مخبر رئيسي مع أديب نعمة، بيروت، لبنان، سبتمبر 2022.

7 - أنظر/ي ماندل 2015.

8 - تونس العاصمة، تونس، سبتمبر 2022.

9 - تواصل شخصي، بيروت، لبنان، يونيو 2022.

10 - تواصل شخصي، عمان، الأردن، نوفمبر 2022.

المراجع

أاجارد، ك.؛ مونجيون، ب.؛ راموس-فيلبا، إي.؛ وتوماس، د.أ. (2021) 'البحث في أسس تمويل البحث: الاعتراف بتعقيدات ديناميات التمويل, PLoS ONE 16.5: e0251488 DOI: 10.1371/journal.pone.0251488 (تم الوصول إليه في 28 فبراير 2023)

أبو إسماعيل، ك.؛ أبو طالب، ج.؛ ورمضان، ر. (2012) إعادة التفكير في قياس الفقر العالمي، ورقة عمل 93، برازيليا: المركز الدولي للسياسات من أجل النمو الشامل.

أشكار، ج. (2021) 'الهيمنة والاستبداد والفساد والغش في المنطقة العربية'، نقد الشرق الأوسط 30.1: 57-66، DOI: 10.1080/19436149.2021.1875173 (تم الوصول إليه في 28 فبراير 2023)

الشامي، ف. (2022) إعادة التفكير في فهمنا للهشاشة تحت الجائحة، الملتقى العربي للحماية الاجتماعية من كوفيد، 31 يناير (تم الوصول إليه في 28 فبراير 2023).

أمارانتي، ف.؛ زوربريج، ج. (2022) 'تهميش الباحثين/ات الجنوبيين في التنمية'، منظورات تنمية العالم 26، DOI: 10.1016/j.wdp.2022.100428 (تم الوصول إليه في 28 فبراير 2023).

بارتليت، ج.ج.؛ إيواساكي، ي.؛ جوتليب، ب.؛ هول، د.؛ ومانيل، ر. (2007) 'إطار للبحث الذي يتم توجيهه بواسطة السكان الأصليين للتخلص من الاستعمار يشمل ميتي وشخصيات الأمم الأولى المصابين بالسكري’'، العلوم الاجتماعية والطب 65.11: 2371-2382، DOI: 10.1016/j.socscimed.2007.06.011 (تم الوصول إليه في 28 فبراير 2023).

بيات، أ. (2013) الحياة كسياسة: كيف يغير الناس العاديون الشرق الأوسط، الطبعة الثانية، ستانفورد، كاليفورنيا: جامعة ستانفورد بريس.

بيرك، ر. (1983) 'مقدمة في تحيز اختيار العينة في البيانات الاجتماعية’'، مراجعة الاجتماع الأمريكية 48.3: 386-398، DOI: 10.2307/2095230 (تم الوصول إليه في 28 فبراير 2023).

مركز العلوم الاجتماعية للأبحاث والعمل (2022) هل يمكن لمنهجية تحديد المستهدفين تأمين الوصول إلى الحماية الاجتماعية لأكثر الناس فقراً في لبنان؟، إنفوجراف مشروع تحليل النزاعات، مركز أبحاث وعمل علوم الاجتماع (تم الوصول إليه في 25 يناير 2023).

كلارك، آر.جي.؛ ستيل، د.ج. (2002) 'تأثير استخدام الأسرة كوحدة عينة'، مراجعة الإحصاءات الدولية 70.2: 289-314، DOI: 10.2307/1403911 (تم الوصول إليه في 28 فبراير 2023).

كورنوال، أ. وسكونز، إ. (محرران) (2022) تحويل التنمية: تأملات في أعمال روبرت تشامبرز، لندن: روتليدج.

كويستا، ج.؛ اللهجه، أ. وإيبارا، ج.ل. (2015) الآثار الاجتماعية والاقتصادية لإصلاح الطاقة في تونس: نهج المحاكاة، ورقة عمل 7312، واشنطن العاصمة: البنك الدولي.

كوري-ألدر، ب.؛ أرفانيتيس، ر. وحنفي، س. (2017) "البحث في الدول الناطقة بالعربية: منافسات التمويل والتعاون الدولي وحوافز المسيرة الوظيفية"، ساينس آند ببليك بوليسي 45.1: 74–82، DOI: 10.1093/scipol/scx048 (تم الوصول إليه في 28 فبراير 2023).

ديبه، ج.؛ فاكيه، أ. ومروش، و. (2019) "سوق العمل والعوامل المؤسسية لهجرة الشباب غير النظامية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، مجلة العلاقات الصناعية 61.2: 225–51، DOI: 10.1177/0022185618788085 (تم الوصول إليه في 28 فبراير 2023).

ديورينجر، س. (2020) ""مقابلة الخبراء المتمحورة حول المشكلة": دمج نهج المقابلات النوعية لاستكشاف المعرفة الخفية للخبراء"، المجلة الدولية لطرق البحث الاجتماعي 24.3: 265–78، DOI: 10.1080/13645579.2020.1766777 (تم الوصول إليه في 28 فبراير 2023).

إيميرالد ببليشنغ (بدون تاريخ) كيفية... استخدام أساليب البحث المختلطة v (تم الوصول إليه في 25 يناير 2023).

جنغلر، ج.ج.؛ تيسلر، م.؛ لوكاس، ر. وفورني، ج. (2021) " "لماذا تسأل؟" طبيعة وتأثيرات المواقف تجاه استطلاعات الرأي العام في العالم العربي"، المجلة البريطانية للعلوم السياسية 51.1: 115–36، DOI: 10.1017/S0007123419000206 (تم الوصول إليه في 28 فبراير 2023).

جيلي، أ. (1996) "أصل خط الفقر"، مراجعة التاريخ الاقتصادي 49.4: 715–30، DOI: 10.2307/2597970 (تم الوصول إليه في 28 فبراير 2023).

غراي، م. (2010) نظريات المؤامرة في العالم العربي: المصادر والسياسة، نيويورك، نيويورك: روتليدج.

جست، ج.؛ نامي، إي.إي. وميتشل، إم.إل. (2013) جمع البيانات النوعية: دليل ميداني للبحث التطبيقي، ألفا تشوكس، كاليفورنيا: دار نشر سيج.

حبشي، ج. (2015) "الخطاب العربي الأصلي: تخيل اجتماعي بديل لمنهجية إزالة الاستعمار"، المراجعة الدولية للبحث النوعي 8.4: 493–508.

المنظمة الدولية للعمل (2022) التوجهات العالمية للتوظيف والتواصل الاجتماعي: توجهات 2022، جنيف: منظمة العمل الدولية.

المنظمة الدولية للعمل (2018) النساء والرجال في الاقتصاد غير الرسمي: صورة إحصائية، الطبعة الثالثة، جنيف: منظمة العمل الدولية.

كلاس، د. (2021) جوهر التقشف وتخفيف الفقر: سرديات السيطرة السياسية وعدم المساواة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أكسفورد: أوكسفام.

ليلي، ك. وآيلينج، ب. (2021) "إعادة النظر في السلوكيات غير الأخلاقية: الأخلاق المعقدة لأبحاث الدراسات النخبوية"، البحث النوعي 21.6: 890–905، DOI: 10.1177/1468794120965361 (تم الوصول إليه في 28 فبراير 2023).

ليتل، و. (2014) "البحث الاجتماعي"، في و. ليتل (المحرر)، مقدمة في علم الاجتماع، فيكتوريا، كولومبيا البريطانية: BCcampus.

مقديسي، ب.؛ مروش، و. ويزبك، م. (2022) رصد الفقر في بيئة تفتقر إلى البيانات: حالة لبنان، ورقة عمل 2022-014، شيكاغو، إلينوي: مجموعة عمل الرأسمال البشري والفرص الاقتصادية العالمية (تم الوصول إليه في 25 يناير 2023).

ماندل، ج. (2015) "قاعدة الاختيار القصوى"، في ج. ماندل ود.أ. ريدي (المحرران)، قاموس رولز في كامبريدج، كامبريدج: جامعة كامبريدج (تم الوصول إليه في 23 فبراير 2023).

ميلر، د.س. وسالكيند، ن.ج. (2002) "تقدير تكاليف البحث"، في د.س. ميلر ون.ج. سالكيند (المحرران)، دليل تصميم البحوث وقياس الاجتماعي، ألفا تشوكس، كاليفورنيا: دار نشر سيج، DOI: 10.4135/9781412984386 (تم الوصول إليه في 2 مارس 2023).

نعمة، أ. (2021) التنمية والفقر: مراجعة نقدية للمفاهيم وأدوات القياس، بيروت: الشبكة العربية للمنظمات غير الحكومية للتنمية.

نتيانجوم مبوهو، ل.ف. وتومكينسون، س. (2022) "إعادة التفكير في مقابلات النخبة من خلال لحظات الاستياء: دور المعلومات والسلطة"، المجلة الدولية للأساليب النوعية 21، DOI: 10.1177/16094069221095312 (تم الوصول إليه في 2 مارس 2023).

بورمختاري، ن. (2015) "الحياة كسياسة في الشرق الأوسط: "الحركات غير المتحركة" كنشاط اجتماعي"، ضد التيار 30.2: 41 (تم الوصول إليه في 25 يناير 2023).

ريد، م.س. وآخرون (2021) "تقييم التأثير من البحوث: إطار منهجي"، سياسة البحث 50.4، DOI: 10.1016/j.respol.2020.104147 (تم الوصول إليه في 2 مارس 2023).

سارانجي، ن.؛ أبو إسماعيل، ك.؛ اللايثي، ه. ورمضان، ر. (2015) نحو قياس أفضل للفقر والتفاوت في الدول العربية: استبانة متعددة الأغراض مقترحة للعالم العربي، بيروت: اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا التابعة للأمم المتحدة.

ساتاري، ر.؛ باي، ج.؛ بيركس، إي. ووينبيرج، ب.أ. (2022) "تأثيرات الأمواج الناجمة عن التمويل على الباحثين/ات والإنتاج"، العلوم المتقدمة 8.16، DOI: 10.1126/sciadv.abb7348 (تم الوصول إليه في 2 مارس 2023).

سيباستيان، أ. وآخرون (2018) اختبار الوكالة البديل لسريلانكا، ورقة عمل 8605، واشنطن العاصمة: البنك الدولي (تم الوصول إليه في 25 يناير 2023).

ستادون، ج. (2020) "العنصرية الجديدة: كيف أفسد النشاط النقابي والعلم الزائف علم الاجتماع"، السلوكية الجديدة، 16 يوليو (تم الوصول إليه في 23 مارس 2023).

ثمبيناثان، ف. وكينسيلا، إ.أ. (2021) "منهجيات التحرير في البحوث النوعية: خلق مساحات للممارسة التحويلية"، المجلة الدولية للأساليب النوعية 20.

الأمم المتحدة، ديسا (بدون تاريخ) منصة بيانات مؤشرات الأهداف العالمية للتنمية المستدامة (تم الوصول إليه في 25 يناير 2023).

الأمم المتحدة، ديسا (2020) إطار مؤشرات الأهداف العالمية للتنمية المستدامة والأهداف في خطة التنمية المستدامة لعام 2030 (تم الوصول إليه في 25 يناير 2023).

الأمم المتحدة، الإسكوا (2021أ) "الإسكوا ومنظمة العمل الدولية: المنطقة العربية تسجل أعلى مستويات البطالة في العالم"، المفوضية الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا للأمم المتحدة، بيان صحفي، 19 أغسطس (تم الوصول إليه في 28 فبراير 2023).

الأمم المتحدة، الإسكوا (2021ب) تعزيز الحماية الاجتماعية للاستجابة للجائحة: بناء قدرات الحماية الاجتماعية. الحماية الاجتماعية المستهدفة في الدول العربية قبل وأثناء أزمة كوفيد-19، ورقة فنية 24، بيروت: المفوضية الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا للأمم المتحدة (تم الوصول إليه في 25 يناير 2023).

الأمم المتحدة، الإسكوا (2021ج) نحو مسار إنتاجي وشامل: خلق فرص عمل في المنطقة العربية، بيروت: المفوضية الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا للأمم المتحدة.

الأمم المتحدة، الإسكوا (2020أ) التقرير العربي للتنمية المستدامة 2020، بيروت: المفوضية الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا للأمم المتحدة.

الأمم المتحدة، الإسكوا (2020ب) "8.3 مليون شخص سينزلون إلى فقر في المنطقة العربية بسبب كوفيد-19"، المفوضية الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا للأمم المتحدة، بيان صحفي، 1 أبريل (تم الوصول إليه في 28 فبراير 2023).

الأمم المتحدة، الإسكوا (2019) إصلاح الحماية الاجتماعية في الدول العربية، بيروت: المفوضية الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا للأمم المتحدة.

فون سوست، س. (2022) "لماذا نتحدث إلى الخبراء؟ إحياء قوة طريقة المقابلة مع الخبراء"، منظورات على السياسة، DOI: 10.1017/S1537592722001116 (تم الوصول إليه في 2 مارس 2023).

ويتنغتون، د. (2010) "ما الذي تعلمناه من 20 عامًا من أبحاث التفضيل المعلن في البلدان النامية؟"، مراجعة السنوية للاقتصادات المواردية 2: 209–36، DOI: 10.1146/annurev.resource.012809.103908 (تم الوصول إليه في 2 مارس 2023).

البنك الدولي (2013) تحويل الاقتصادات العربية: السير في طريق المعرفة والابتكار، واشنطن العاصمة: البنك الدولي (تم الوصول إليه في 28 فبراير 2023).

يعقوبي، ي.؛ باسوكي، ب. وبورونو، ر. (2019) "الشمول المالي والتمويل الرقمي في العالم العربي: الوضع الحالي والأولويات المستقبلية"، المجلة الدولية للابتكار والإبداع والتغيير 6.3:-132–44.

يوسفي، ه. (2021) "تحرير المعرفة التنظيمية العربية: "الفهلوة" كممارسة بحثية"، المنظمة 28.5: 836–56، DOI: 10.1177/13505084211015371 (تم الوصول إليه في 2 مارس 2023).

الاعتمادات

© 2023 المؤلفون. IDS Bulletin © Institute of Development Studies | DOI: 10.19088/ 1968-2023.136. هذه مقالة Open Access  موزعة بموجب شروط Creative Commons Attribution 4.0 International licence (CC BY)، والتي تسمح بالاستخدام والتوزيع والاستنساخ دون قيود بأي وسيلة، بشرط أن يتم تسجيل المؤلفين الأصليين والمصدر وأي تعديلات أو تعديلات مشار إليها.

هذه ترجمة لمقال IDS Bulletin نظم الحماية الاجتماعية في المنطقة العربية: التحديات أمام إجراء البحوث وسن السياسات. تُرجِمت هذه الورقة من اللغة الإنجليزية.

تم نشر نشرة IDS بواسطة معهد دراسات التنمية، طريق المكتبة، برايتون BN1 9RE، المملكة المتحدة. هذه المقالة جزء من IDS Bulletin Vol. 54 No. 2 October 2023 «Knowledge in Times of Crisis: Transforming Research-to-Policy Approaches»; ويوصى أيضا بقراءة المقدمة.